الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
فيها توفي بسيل الأرميني صاحب بلاد الأرمني فقصدها صاحـب أنطاكية الفرنجي ليملك بلاد الأرمن المعروفة الآن ببلاد سيس فمات في الطريق وملكها سيرجال. وفيها توفي قراجا صاحب حمص وقام بعده ولده قيرخان. وفيها توفي سكمان أو سقمان القطبي صاحب خلاط وكان قد ملك خلاط في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة حسبما تقدم ذكره هناك ولما توفي سكمان ملك خلاط بعده ولده ظهير الديـن إبراهيـم بـن سكمـان وسلـك سيـرة أبيه وبقي في ملك خلاط حتى توفي في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فتولى مكانه أخوه أحمد بن سكمان وبقي أحمد في الولاية عشرة أشهر وتوفي فحكمت والدتهما وهي إينانج خاتون وهي ابنه أركمـان علـى وزن أفخـران وبقيـت مستبدة بمملكة خلاط ومعها ولد ولدها سكمان بن إبراهيم بن سكمان وكان عمره ست سنين فقصدت جدته إينانـج المذكـورة إعدامـه لتنفـرد بالمملكـة فلمـا رأى كبـراء الدولـة سـوء نيتها لولد ولدها المذكور اتفق جماعة وخنقوا إينانج المذكورة في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة واستقر ابـن ابنهـا شاهرمـن سكمـان بـن إبراهيـم المذكـور بـن سكمـان فـي الملـك حتـى توفـي فـي سنـة تسع وسبعين وخمسمائة حسبما نذكره إن شاء الله تعالى. ذكر الحرب مع الفرنج وقتل مودود بن الطونطاش صاحب الموصل: فـي هـذه السنـة اجتمـع المسلمـون وفيهـم مـودود صاحـب الموصـل وتميـرك صاحـب سنجـار والأمير أياز بن أيلغازي وطغتكين صاحب دمشق وكان مودود قـد سـار مـن الموصـل إلـى دمشق فخرج طغتكين والتقاه بسلمية وسار معه إلى دمشق واجتمعت الفرنج وفيهم بغدوين صاحب القدس وجوسلين صاحب الحلس واقتتلوا بالقرب من طبرية ثالث عشر المحرم وهزم الله الفرنج وكثر القتل فيهم ورجع المسلمون منصورين إلى دمشق ودخلوها فـي ربيـع الـأول ودخـل الجامـع مودود وطغتكين وأصحابهما وصلوا الجمعة وخرج طغتكين ومودود يتمشيان في بعـض صحـن الجامـع فوثـب باطنـي علـى مـودود وضربـه بسكين وقتل الباطني وأخذ رأسه وحمل مودود إلى دار طغتكين وكان صائماً واجتهدوا به أن يفطر فلم يفعل ومات من يومه رحمه الله تعالى وكان خيرّاً عادلاً قيل إن الباطنية الذين بالشام خافوه فقتلوه وقيل: إن طغتكين خافه فوضـع عليـه مـن قتلـه ودفـن مـودود بدمشـق في تربة دقاق بن تنش ثم نقل إلى بغداد فدفن في جوار أبي حنيفة ثم نقل إلى أصفهان. فـي هـذه السنة توفي الملك رضوان بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب حلب وقام بملك حلب بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس ابن رضوان وكانت سيرة رضـوان غيـر محمـودة وقتـل رضـوان قبل موته أخويه أبا طالب وبهرام وكان يستعين بالباطنية في كثيـر مـن أمـوره لقلـة دينـه وكانـت ولاية رضوان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة في سنة قتل أبوه تنـش ولمـا ملـك الأخـرس بـن رضوان استولى على الأمور لؤلؤ الخادم وكان الحكم والأمر إليه ولم يكن ألب أرسلان المذكور أخرس حقيقة وإنما كان في لسانه حبسة وتمتمة وكانت أم الأخرس بنت باغي سيان صاحب أنطاكية وكان عمره حين ولي ست عشرة سنة ولما مات رضوان ملـك ألـب أرسلـان قتلـت الباطنيـة الذيـن كانـوا بحلب وكانوا جماعته ولهم صورة ونهبت أموالهم. ذكر غير ذلك في هـذه السنـة توفـي إسماعيـل بـن أحمـد الحسيـن البيهقـي الإمـام ابـن الإمـام وتوفـي ببيهـق ومولـده سنـة ثمـان وعشريـن وأربعمائـة وفيهـا توفـي محمـد بـن أحمـد بن محمد الأبيوردي الأديب الشاعر وله شعر حسن فمنه: وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون وكانت وفاته بأصفهان وهو من بني أمية. وفيها توفي محمد بن أحمد بن أبي الحسن بن عمر وكنيته أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي ومولـده سنـة سبـع وعشرين وأربعمائة وتفقه على أبي إسحق الشيرازي ببغداد وعلى أبي نصر بن الصباغ وصنف المستظهر بالله كتابه المعروف بالمستظهري. فيها أرسل السلطان محمد بن ملكشاه أقسنقر البرسقي والياً علـى الموصـل لمـا بلغه قتل مودود بن الطنطاش صاحب الموصل وأمر السلطان الأمراء وأصحاب الأطراف بالسير بصحبة البرسقي لقتال الفرنج وجرى بين البرسقي وأيلغازي بن أرتق صاحب ماردين قتال انتصر فيه أيلغازي وهرب البرسقي ثم خاف أيلغازي من السلطان فسار إلى طغتكين صاحب دمشق فاتفـق معـه وكاتبـاً الفرنج واعتضدا بهم ثم عاد أيلغازي من دمشق إلى جهة بلاده فلما قرب من حمـص وكـان فـي جماعـة قليلـة خـرج قيرخان بن قراجا صاحب حمص وأمسك أيلغازي وبقي في أسره مدة ثم تحالفا وأطلقه.
ذكر وفاة صاحب غزنة فـي هـذه السنـة فـي شـوال توفـي الملك علاء الدولة أبو سعد مسعود بن إبراهيم ابن مسعود بن محمـود بـن سبكتكيـن صاحـب غزنـة كـان ملكـه فـي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وملك بعده ابنه أرسلان شاه بن مسعود وأمسك إخوتـه وهـرب مـن إخوتـه بهـرام شـاه واستجـار بالسلطـان سنجـر بـن ملكشـاه صاحـب خراسان وأرسل سنجر إلى أرسلان شاه يشفع في بهرام شاه فلم يقبل منه فسار السلطان سنجر إلى غزنة وجمع أرسلان شاه عساكره وخيوله واقتتلوا واشتد القتال بينهم فانهزم عسكر غزنة وانهزم أرسلان شاه ودخل سنجر غزنة واستولى عليها في سنة عشر وخمسمائة وأخذ منها أموالاً عظيمـة وقـرر السلطنـة لبهـرام شـاه بـن مسعـود وأن يخطب في مملكته للسلطان محمد ثم للملك سنجر ثم للسلطان وبهرام شاه المذكور ثم عاد سنجـر إلـى بلـاده وكـان أرسلـان شـاه قـد هـرب إلـى جهة هندستان ثم جمع جمعاً وعاد إلى غزنة فاستنجـد بهـرام شـاه بسنجر ثانياً فأرسل إليه عسكراً فلما قاربوا أرسلان شاه هرب من غير قتال وتبعوه حتى أمسكوه فخنق بهرام شاه أخاه أرسلان شاه ودفنه بتربة أبيه بغزنة وكان قتـل أرسلـان شـاه فـي سنـة اثنتـي عشـرة وخمسمائـة وقدمنا ذكره لنتبع الحادثة بعضها بعضاً وكان عمر أرسلان شاه لما قتل سبعاً وعشرين سنة. ذكر مقتل صاحب حلب في هذه السنة قتل تاج الدولة ألب أرسلان الأخرس صاحب حلب ابن الملك رضوان بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق قتلة غلمانه بقلعة حلب وأقاموا بعده أخاه سلطان شاه بن رضوان وكان المتولي على الأمر لؤلؤ الخادم. فيها أرسل السلطان محمد بن ملكشاه عسكراً ضخماً لقتال طغتكين صاحب دمشق وأيلغازي صاحب ماردين فعبر العسكر الفرات من الرقة وقصـدوا حلب فعصت عليهـم فسـاروا إلـى حمـاة وهـي لطغتكيـن فحصروهـا وفتحوهـا عنـوة ونهبـوا الأموال ثلاثة أيام ثم سلموا حماة إلى الأمير قيرخان بن قراجا صاحب حمص وأقام العسكر بحمـاة واجتمـع بأفامية أيلغازي وطغتكين وملوك الفرنج وهم صاحب أنطاكية وصاحب طرابلـس وغيرهمـا وأقاموا بأفامية ينتظرون تفرق المسلمين فلما أقام عسكر المسلمين إلى الشتاء تفرق الفرنج وسار طغتكين إلى دمشق وأيلغازي إلى ماردين ثم سار المسلمون من حماة إلى كفرطاب وهي للفرنج فاستولوا عليها وقتلوا من بها من الفرنج ونهبوهم ثم سار المسلمون إلى المعرة وهي للفرنج ثم ساروا منها إلـى حلـب فكبسهـم صاحـب أنطاكيـة فـي أثنـاء الطريـق فانهزمت المسلمون وقتل الفرنج فيهم ونهبوهم وهرب من سلم منهم إلى بلاده. وفي هذه السنة: استولـى الفرنج على رفنية وكانت لطغتكين أيضاً ثم سار طغتكين من دمشق واسترجعها إلى ملكه وقتل من بها من الفرنج. ذكر وفاة صاحب إفريقية فـي هـذه السنـة توفـي يحيـى بـن تميـم بـن المعـز بن باديس صاحب إفريقية يوم عيد الأضحى فجأة وتولـى بعـده ابنـه علـي بـن يحيـى وكـان عمـر يحيـى اثنتيـن وخمسيـن سنة وولايته ثمان سنين وخمسة أشهر وخلّف ثلاثين ولداً. ذكر غير ذلك فيها قدم السلطان محمد إلى بغداد فسار إليه طغتكين من دمشق ودخل عليه وسأل الرضى عنه فرضي عنه ورده إلى دمشق وفيها أخذ السلطان الموصـل ومـا كـان معهـا مـن أقسنقـر البرسقي وأقطعها للأمير جيوش بك وبقي البرسقي في الرحبة وكانت أقطاعه. في هذه السنة مات جاولي سقاوه بفارس وكان السلطان محمـد بـن ملكشـاه قـد ولـاه فـارس بعـد أخذ الموصل منه علي ما تقدم ذكره. وفيها وقيل بل في سنـة سـت عشـرة وخمسمائـة توفـي بمروالـروز أبـو محمـد الحسـن بـن مسعـود بـن محمـد المعروف بالفراء البغـوي الفقيـه المحـدث كـان بحـراً فـي العلـوم صنـف كتبـاً عـدة منهـا: التهذيب في الفقه والمصابيح في الحديـث والجمـع بيـن الصحيحيـن وغير ذلك والفراء نسبة إلى عمل الفراء والبغوي نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها بغ وبغشور أيضاً.
فـي هـذه السنـة فـي رابـع وعشريـن ذي الحجـة توفـي السلطـان محمـد بـن ملكشـاه بـن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وابتدأ مرضه من شعبان ومولده ثامن عشر شعبان من سنة أربـع وسبعيـن وأربعمائة فكان عمره ستاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر وستة أيام وأول ما خطب لـه ببغـداد فـي ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وقطعت خطبته عدة دفعات ولقي من المشـاق والأخطـار مـا لا زيادة عليه وكان عادلاً حسن السيرة أطلق المكوس والضرائب في جميع بلاده وعهد بالملك إلى ولده محمود وعمره إذ ذاك قد زاد على أربع عشرة سنة. ولما عهد عليه اعتنقه وقبله وبكى كل واحد منهما وجلس محمود على تخت السلطنة بالتاج والسوارين يـوم وفـاة أبيـه فـي الرابـع والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وخطب لمحمود بالسلطنة في يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة. واستيلاء أيلغازي عليها: في هذه السنة قتل لؤلؤ الخادم وكان قد استولى على حلب وأعمالها. وكان قد أقام لؤلؤ المذكور بعد رضوان ابنه ألب أرسلان الأخرس بن رضوان فلما قتل كما تقـدم ذكـره أقـام أخاه سلطان شاه وليس له من الحكم شيء وبقي لؤلؤ المذكور هو المتحكم في البلاد فلما كانـت هـذه السنـة سـار لؤلـؤ إلى قلعة جعبر ليجتمع بسالم بن مالك العقيلي صاحب قلعة جعبر فوثب جماعة من الأتراك أصاب لؤلؤ على لؤلؤ وقد نزل يريق الماء وصاحوا أرنب أرنب وقتلوه بالنشـاب ونهبـوا خزانتـه وعـادوا إلـى حلـب فاتفـق أهـل حلـب واستعادوا منهم المال وقام بأتابكية سلطان شاه بن رضوان شمس الخواص يارقطاش وبقي يارقطاش شهراً ثم اجتمع كبراء الدولة وعزلوه وولوا أبا المعالي بن الملحي الدمشقي ثم غزوه وصادروه ثم خاف أهل حلب من الفرنج فسلموا البلد إلى أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين فسار أيلغازي وتسلـم حلب وجعل فيها ولده حسام الدين تمرتاش وعاد أيلغازي إلى ماردين. ذكر غير ذلك: في هذه السنة جاء سيل فغرق مدينة سنجار وغرق من الناس خلق كثير وهدم المنازل ومن عجيب ما يحكى أن الماء حمل مهداً فيه مولود فتعلق المهد بشجرة زيتون ثم نقص الماء والمهـد معلـق بالشجـرة فسلـم الطفل. وفيه هجم الفرنج على ربض حماة وقتلوا من أهلها ما يزيد على مائة رجل ثم عادوا عنها. فـي هذه السنة عزل السلطان محمود مجاهد الدين بهروز عن شحنكية بغداد وجعل أقسنقر البرسقي شحنة بغداد وسار بهروز إلى تكريت وكانت أقطاعه وكان المدبر لدولة السلطان محمود الوزير الربيب أبو منصور. وفيها سار الأمير دبيس بن صدقة إلى الحلة بإذن السلطان محمود وكان دبيس معتقلاً مع السلطان محمد من حين قتل أبوه صدقة إلى الان فلما أطلق توجه إلى الحلة واجتمعت عليه العرب والأكراد. ذكر وفاة المستظهر فـي هـذه السنـة فـي سـادس عشـر ربيـع الآخـر توفـي المستظهـر باللـه أحمـد بـن المقتـدي بأمـر الله عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم وكان عمره إحدى وأربعين سنة وستة أشهر وأياماً وخلافته أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً. ومن الاتفاق الغريب أنه لما توفي السلطان ألب أرسلان توفي بعده القائم بأمر الله ولما توفي ملكشاه توفي بعده المقتدي ولما توفي محمد خلافة المسترشد وهو تاسع عشرينهم ولما توفي المستظهر بويع ولده المسترشد بالله أبو منصور فضل بن أحمد المستظهر وأخذ البيعة على الناس للمسترشد. القاضي أبو الحسن الدامغاني. ذكر غير ذلك: وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده الأصفهاني المحدث المشهور وله فـي الحديـث تصانيـف حسنـة. وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن الخازن وكان أديباً وله شعـر حسـن. وفيهمـا قتـل أرسلـان شـاه ابـن مسعـود السبكتكيني قتله أخوه بهرام شاه بن مسعود واستقر بهرام شاه في ملك غزنة حسبما قدمنا ذكره في سنة ثمان وخمسمائة. فيها سار السلطان سنجر إلى حرب ابن أخيه السلطان محمود والتقيا بالري بالقرب من ساوة فانهزم محمود. ونزل السلطان سنجر في خيامه ثم وقع الصلح بينهما على أن يخطب للسلطان سنجر ثم بعده للسلطان محمود واستولى سنجر على الـري وأضافهـا إلـى مـا بيده وقدم السلطان محمود إلى عمه السلطان سنجر بالري فأكرمه سنجر وأحسن إليه. فيها كانت وقعة بين أيلغازي بن أرتق وبين الفرنج بأرض حلب فهزم الفرنج وقتل منهم عدة كثيرة وأسر عدة وكان فيمن قتل سرجال صاحب أنطاكية ثم سار أيلغـازي وفتـح عقيـب الوقعـة الأثـارب وزردنـا. وكانـت الوقعـة فـي منتصـف ربيـع الأول عند عفرين ومما مدح أيلغازي به بسبب هذه الوقعة. قـل مـا تشاء فقولك المقبول وعليك بعد الخالق التعويل واستبشر القـرآن حيـن نصرتـه وبكى لفقد رجاله الإنجيل وفي هذه السنة سار جوسلين صاحب تل باشر إلى بلاد دمشق ليكبس العرب بني ربيعة وأميرهم إذ ذاك مر بن ربيعة فتقدم عسكر جوسين قدامه فضل جوسلين عنهم ووقع عسكره على العرب. وجرى بينهم قتال شديد انتصر فيه مر بن ربيعة وقتل وأسر من الفرنج عدة كثيرة. ذكر غير ذلك: فـي هـذه السنة أمر السلطان سنجر بإعادة بهروز إلى شحنكية العراق فعاد إليها. وفيها ظهر قيـر إبراهيم الخليل وقبور ولديه إسحاق ويعقوب عليهم السلام بالقرب من بيت المقدس ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة قال ابن الأثير مؤلف الكامل: هكذا ذكره حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي في تاريخه. كان مسعود ابن السلطان محمد له الموصل وأذربيجان فكاتب دبيس بن صدقة جيوش بك أتابك مسعود يشير عليه بطلب السلطنة لمسعود ووعده دبيس بأن يسير إليه وينجده وكان غرض دبيس أن يقع بين محمود ومسعود لينال دبيس علو المنزلة كما نالها أبوه صدقة بسبب وقوع الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد. فأجاب مسعود إلى ذلك وخطب لنفسه بالسلطنة وجمـع عسكره وسار إلى أخيه محمود والتقوا عند عقبة أستراباذ منتصف ربيع الأول من هذه السنة واشتد القتال بينهم فانهزم مسعود وعسكره ولما انهزم مسعود اختفى في جبل وأرسل يطلـب مـن أخيـه محمـود الأمـان فبذلـه لـه وقـدم مسعود إلى أخيه محمود فأمر محمود بخروج العسكر إلـى تلقيـه ولمـا التقيا اعتنقا وبكيا وبالغ محمود في الإحسان إلى أخيه مسعود وفى له ثم قسم جيوش بك أتابك مسعود على محمود فأحسن إليه أيضاً وأما دبيس بن صدقة فإنه لما بلغه انهـزام مسعـود أخـذ فـي إفساد البلاد ونهبها وكاتبه محمود فلم يلتفت إليه. فسار السلطان محمود إليـه ولمـا قـرب منـه خرج دبيس عن الحلة والتجأ إلى أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين ثم اتفق الحال على أن يرسل دبيس أخاه منصوراً رهينة ويعود إلى الحلة فأجيب إلى ذلك. وفـي هـذه السنـة خرجـت الكـرج إلـى بلـاد الإسلـام وملكـو تقليس بسيف وقتلوا ونهبوا من المسلمين شيئاً كثيراً. وفي هذه السنة أيضاً جمع أيلغازي التركمان وغيرهم والتقى مع الفرنج عند ذات البقل من بلد سرمين وجرى بينهم قتال شديد فانتصر أيلغازي وانهزم الفرنج. ذكر ابتداء أمر محمد بن تومرت وملك عبد المؤمن كـان محمـد بـن عبـد الله بن تومرت العلوي الحسيني من قبيلة من المصامدة من أهل جبل السوس مـن بلـاد المغـرب فرحـل ابـن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم وأتقن علم الأصولين والعربية والفقه والحديث واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق واجتمع بأبي بكر الطرطوشـي بالإسكندريـة وقيـل إنـه لـم يجتمـع بالغزالـي. ثـم حـج ابـن تومـرت وعـاد إلـى المغـرب وأخـذ فـي الإنكـار على الناس وإلزامهم بإقامة الصلوات وغير ذلك من أحكام الشريعة وتغيير المنكرات ولما وصل إلـى قريـة اسمهـا ملالـة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي وتفرس ابن تومرت النجاية في عبـد المؤمـن المذكـور وسـار معـه وتلقـب ابـن تومـرت بالمهـدي. واستمـر المهـدي المذكور على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووصل الى مراكش وشـدد فـي النهـي عـن المنكرات وكثرت أتباعه وحسنت ظنون الناس به ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم وقطعهم وأشار بعض وزراء علي بـن يوسف بن تاشفين عليه بقتل ابن تومرت المهدي وقال: والله ماغرضه النهي عن المنكر والأمر بالمعـروف بـل غرضه التغلب على البلاد فلم يقبل علي ذلك. فقال الوزير: وكان اسمه مالك بن وهيـب من أهل قرطبة: فإذا لم تقتله فخلده في الحبس. فلم يفعل وأمر بإخراجه من مراكش فسار المهدي إلى أغمات ولحق بالجبل واجتمع عليه الناس وعرفهم أنه هو المهدي الذي وعد النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه فكثرت أتباعه واشتدت شوكته وقام إليه عبد المؤمن بن علي في عشرة أنفس وقالوا له: أنت المهدي وبايعوه على ذلك وتبعهم غيرهم فأرسل أمير المسلمين علي إليه جيشاً فهزمه المهدي وقويـت نفـوس أصحابـه وأقبلـت إليـه القبائـل يبايعونـه وعظم أمره وتوجه إلى جبل عند تينمليل واستوطنه ثم إن المهدي رأى من بعض جموعه قوماً خافهم. فقال: إن الله أعطان نوراً أعرف به أهل الجنة من أهل النار وجمع الناس إلى رأس جبل وجعل يقول: عن كل من يخافه هذا من أهل النار فيلقى من رأس الشاهق ميتاً وكل من لا يخافه هذا من أهل الجنة ويجعله عن يمينه حتى قتل خلقاً كثيراً واستقام أمره وأمن على نفسه. وقيل: إن عدة الذين قتلهم سبعون ألفاً وسمي عامة أصحابه الداخليـن فـي طاعتـه الموحدين ولم يزل أمر ابن تومرت المهدي يعلو إلى سنة أربع وعشرين وخمسمائة فجهز جيشاً يبلغون أربعين ألفاً فيهم الونشريسي وعبد المؤمن إلى مراكش فحصروا أمير المسلمين بمراكش عشريـن يومـاً ثم سار متولي سجلماسة بالعساكر للكشف عن مراكش وطلع أهل مراكش وأمير المسلمين واقتتلوا فقتل الونشريبسي وصار عبد المؤمن مقدم العسكر واشتد بينهم القتال إلى الليـل فانهـزم عبد المؤمن بالعسكر إلى الجبل ولما بلغ المهدي بن تومرت خبر هزيمة عسكره وكان مريضاً فاشتد مرضه وسأل عن عبد المؤمن فقالوا سالم فقال المهدي لم يمت أحد وأوصى أصحابـه باتبـاع عبـد المؤمـن وعرفهم أنه هو الذي يفتح البلاد وسماه أمير المؤمنين ثم مات المهدي فـي مرضـه المذكـور وكـان عمـره إحدى وخمسين سنة ومدة ولايته عشر سنين وعاد عبد المؤمن إلـى تينمليـل وأقـام بها يؤلف قلوب الناس إلى سنة ثمان وعشرين وخسمائة ثم سار عبد المومن واستولـى علـى الجبـال وجعـل أميـر المسلميـن علـي بـن يوسـف بـن تاشفيـن ابنـه تاشفيـن بـن علي يسير فـي الوطـاة قبالـة عبـد المؤمـن وفـي سنة عائشة تسع وثلاثين سار عسكر عبد المؤمن إلى مدينة وهران وسار تاشفين إليهم وقرب الجمعان بعضهم من بعض فلما كان ليلة تسع وعشرين من رمضان من هذه السنة وهي ليلة يعظمها المغاربة سار تاشفين في جماعة يسيرة متخفياً. ليزور مكاناً على البحر فيه متعبدون وصالحون وقصد التبرك وبلغ الخبر مقدم جيش عبد المؤمـن واسمـه عمـر بـن يحيـى الهنتماتـي فسـار وأحـاط بتاشفيـن بن علي بن يوسف فركب تاشفين فرسه وحمل ليهرب فسقط من جرف عال فهلك وأخذ ميتاً وعلت جثته على خشبة وقتل كل من كان معه وتفرق عسكر تاشفين وسار عبد المؤمن إلى تلمسان وهي مدينتان بينهما شوط فرس إحداهما اسمها قاروت بها أصحاب السلطان والأخرى اسمها أفادير فملك عبد المؤمن قاروت أولاً ثم قرر أمرها وجعل على أفادير جيشاً يحصرها ثم سار عبد المؤمن إلى فـاس وملكهـا بالأمـان فـي آخـر سنـة أربعيـن وخمسمائـة ورتـب أمرهـا ثـم سـار إلـى سلا ففتحها في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وفتح عسكره أفادير بعد حصار سنة وقتلوا أهلها ثم سار عبـد المؤمـن ونازل مراكش وكان قد مات علي بن يوسف صاحبها وملك بعده ابنه تاشفين بن علي ثم ملك بعده أخوه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو صبي فحاصرها عبد المؤمن أحد عشر شهراً وفتحها بالسيف وأمسك الأمير إسحاق وجماعة من أمراء المرابطين وجعل إسحاق يرتعد ويسأل العفو عنه ويدعو لعبد المؤمن ويبكي فقال له سير وهو من أكبر أمراء المرابطين وكان مكتوفاً: تبكي على أبيك وأمك اصبر صبر الرجال وبـزق فـي وجـه إسحاق ثم قال عبد المؤمن إن هذا الرجل لا يدين الله بدين فنهض الموحـدون وقتلـوا سيـر المذكـور بالخشـب وقـدم إسحاق على صغر سنه فضربت عنقه سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وهو آخر ملوك المرابطين. وبه انقرضت دولتهم وكانت مدة ملكهم ثمانين سنة لأن يوسف بن تاشفين حكم في سنة اثنتين وستين وأربعمائة وانقرضت دولتهم في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وولى منهم أربعة: يوسف بن تاشفين وابنه علي بن يوسف وتاشفين بـن علـي وإسحاق بن علي. ولما فتح عبد المؤمن مراكش استوطنها وبنى بقصر ملوك مراكش جامعاً وزخرفه وهدم الجامع الذي بناه يوسف بن تاشفين وكان ينبغي ذكر هذه الوقائع في مواضعها وإنما قدمت لتتبع الأحاديث بعضها بعضاً. ذكر غير ذلك: وفـي هذه السنة أعني سنة أربع عشرة وخمسمائة أغار جوسلين الفرنجي صاحب الرها على جموع العرب والتركمان وكانوا نازلين بصفين فغنم من أموالهم ومواشيهم شيئاً كثيراً ثم عاد جوسليـن إلـى بزاعـة فخـر بهـا. وفيهـا فـي جمـادى توفـي أبـو سعـد عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الإمام ابن الإمام ولما توفي جلس الناس في البلاد البعيدة لعزائه. ذكر وفاة صاحب إفريقية فـي هـذه السنـة توفـي الأميـر علـي بـن يحيـى بـن تميـم صاحـب إفريقيـة فـي ربيـع الآخر وكانت إمارته خمـس سنيـن وأربعـة أشهـر وولـي بعـده ابنـه الحسـن بـن علـي وعمـره اثنتـا عشرة سنة بعهد من أبيه وقـام بتدبيـر دولته صندل الخصي وبقي صندل مدة ومات وصار مدبر دولته القائد أبا غر بن موفق. ذكر غير ذلك من الحوادث: فـي هـذه السنـة أقطـع السلطـان محمـود الموصـل وأعمالهـا كالجزيـرة وسنجار للأمير أقسنقر البرسقي. وفيها قتل بمصر أمير الجيوش الأفضل بن بدر الجمالي وكان قد ركب بمصر ومعه جمع كثير فتأذى من الغبـار فسـار قدامهـم ومعـه نفـران فوثـب عليـه ثلاثـة بسـوق الصياقلـة وضربوه بالسكاكين وأدركهم أصحابه فقتلوا الثلاثة وحمل الأفضل إلى داره فمات بهـا وبقـي الآمر بأحكام الله الخليفة العلوي صاحب مصر ينقل من دار الأفضل الأموال ليلاً ونهاراً أربعين يومـاً ووجـد له من الأموال والتحف ما لا يحصى وكان عمر الأفضل سبعً وخمسين سنة وولايته ثمانياً وعشرين سنة وقيل إن الآمر هو الذي جهز عليه من قتله ولما قتل الأفضل ولي الآمر بأحكام الله بعده أبا عبد الله البطائحي. وفيهـا عصـى سليمـان بـن أيلغـازي بن أرتق على أبيه بحلب وكان فيمن حسن له ذلك إنسان من أهل حماة من بيت قرناص وكان قد قدمه أيلغازي على أهل حلب فجاراه بذلك ولما سمع أيلغـازي بذلـك سـار مجـدّاً مـن مارديـن وهاجم حلب وقطع يدي ابن قرناص ورجليه وسمل عينيه فمات وأحضر ولده سليمان وأراد قتله فلحقته رقة الوالد فاستبقاه وهرب سليمان إلى عند طغتكيـن بدمشـق واستنـاب أيلغـازي علـى حلـب ابـن أخيـه واسمـه سليمـان أيضـاً بـن عبد الجبار بن أرتق وعاد أيلغازي إلى ماردين. وفيها أقطع السلطان محمود ميافارقين للأمير أيلغازي المذكور وفيها كان بين بلك بن بهرام بن أرتـق وبيـن جوسليـن حـرب انتصـر فيهـا بلـك وقتـل من الفرنج وأسر جوسلين وأسر معه ابن خالته كليام وأسر جماعة من فرسانه المشهورين وبذل جوسلين في نفسه أموالاً كثيرة فلم يقبلها بلك وسجنهـم فـي قلعـة خرتبـرت. وفيهـا تضعضـع الركن اليماني من البيت الحرام شرفه الله تعالى من زلزلـة وانهـدم بعضـه. وفيهـا توفـي أبـو محمـد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري مصنف كتاب المقامات المشهورة ولد في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة وكان إماماً في النحو واللغـة وصنـف عـدة مصنفـات منهـا: المقامـات التـي طبـق الـأرض شهرتهـا وكـان الـذي أمره بتصنيفها أنوشروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود فإن الحريري عمل مقامه واحدة على وضع مقامات البديع وعرضها على أنوشروان وكان الحريري قد أولع بنتف لحيته والعبث بهـا وقـدم بغـداد وسكـن فـي الحريـم ووقـع بينـه وبيـن ابـن جكينـا مهاجـاة ثـم نفي الحريري إلى المشان فقال فيه ابن جكينا يهجوه: شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنونـه مـن الهـوس أنطقـه الله في المشان وقد ألجمه فـي الحريـم بالخـرس والمشان موضع من أعمال بغداد وكان إذا غضب على شخص نفي إليه وكان الحريري بصرى المولد والمنشأ وينتسب إلى ربيعة الفرس وخلف ولدين أحدهما عبيد اللـه وهـو أحـد رواة المقامات عن والده والثاني كان متفقهاً. وفيها أعني سنة خمس عشرة وخمسمائة قتل مؤيد الدين الحسين بن علي ابن محمد الطغرائي المنشي الدؤلي من ولد أبي الأسود الدؤلي من أهل أصفهان وكان عالماً فاضلاً شاعراً كاتباً منشئاً خدم السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وكان متولياً ديوان الطغر ثم بقي على علـو منزلته حتى استوزره السلطان مسعود وجرى بينه وبين أخيه محمود الحرب وانهزم مسعود فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً ومن شعره قصيدته المشهورة التي أولها: أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحلية الفضل زانتي لدى العطل هكـذا ذكره القاضي شهاب الدين. وما الشيخ عز الدين علي بن الأثير فذكر أن قتل الطغرائي كـان فـي سنـة أربع عشرة وخمسمائة وقال عنه السلطان محمود: قد ثبت عندي فساد عقيدته وأمر بقتله وكان الطغرائي قد جاوز ستين سنة وكان يميل إلى عمل الكيمياء. وفيها أعني سنة خمس عشرة وخمسمائة توفي بمصر علي بن جعفر بن علي محمد المعروف بابـن القطاع النحوي العروضي. وكان أحد الأئمة في علم الأدب واللغة وله عدة مصنفات ولد في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
|